مقالات

بين الكهنوت الملوكي والكهنوت الأسراري

في الإيمان المسيحي، وخاصة الأرثوذكسي نميز بين الكهنوت الملوكي والكهنوت الأسراري. كل إنسان اعتمد معمودية قانونية، ونال الميرون المقدس صار مكرّساً لله، أي صار مخصصاً لله.

“وتالياً هو مسؤول عن كنيسة المسيح بصورة كاملة هذا الوضع التكريسي نسميه “الكهنوت الملوكي”، استناداً لقول الرسول بطرس في رسالته: “أنتم كهنوت ملوكي، أمة مقدسة
(1بط2 : 9).

أما الكهنوت الأسراري فالمقصود به أن يصير أحد المؤمنين كاهناً للرب العلي باقتباله سر الكهنوت، فيخدم الأسرار المقدسة ويلد بالروح أبناءً لله ويُنميهم روحياً.

الكهنوت الملوكي يعني أن كل مسيحي هو كاهن لله العلي، مدعو إلى أن يعمل على تقديم العالم وما فيه لله. هذا يتم بسعي دؤوب إلى جعل حياته مرضية للرب ووفق وصاياه تعالى. كما أنه مدعو إلى بث روح الله وإنجيله في العالم حتى يساهم مع إخوته بالإيمان في تطهير العالم وتقديسه، تماماً كما يقدم الكاهن في الكنيسة الخبز والخمر لله ليصيرا مقدَّسَين وتالياً جسد الرب ودمه.

من نافل القول، وفق هذا التعليم، إن للمؤمن دوراً كبيراً في خدمة الكنيسة وتحقيق رسالته. هو ليس موظفاً عند أحد فيها، وليس مجرد منفذ أوامر، بل مساهم حقيقي في بنائها ونموها.

من درجت تسميتهم في السنين الأخيرة بالعلمانيين – وهي ليست تسمية أرثوذكسية ناهيك عن أنها تكرّس وضعاً يتناقض والتعليم الأرثوذكسي – عليهم واجب العمل في كنيستهم وتفعيل جميع ميادين وجودها.

وهنا نصل إلى المشكلة الدائمة الوجود وهي الصدام بين المؤمنين والإكليروس.
من يتبع من؟
ومن يطيع من؟
ومن يتعاون مع من؟

نقول في هذه العجالة إن كل مشكلة من هذا النوع تعيق العمل الكنسي هي من عمل الشيطان والذين يفتحون صدورهم له. وهي ناجمة عن نقص التواضع أو غيابه جملة وتفصيلاً.

الكنيسة الأرثوذكسية قائمة لا على القانون الحرفي وإن كان فيها قوانين رفيعة، وليست قائمة على فئة حاكمة وفئة محكومة، أو فئة معلِّمة وفئة متعلِّمة وإن كان لابد من الحاكم والمرجع والمعلَّم. الكنيسة الأرثوذكسية صورة الملكوت على الأرض بالتناغم ما بين كل شيء وكل شيء آخر فيها.

التناغم بين
العلمانيين والإكليروس،
بين المرتلين والشعب المصلي،
بين المعلِّمين والإداريين،
بين الرهبان والكهنة.

لا أحد يجب أن يلغي أحداً. بروح التواضع والانفتاح نتكامل ونكمل نقائص بعضنا البعض من أجل تمجيد الله في كنيسته. روحانية الكنسية ليست قائمة على مجرد تطبيق قانوني للتعليم الكنسي بل على السعي عبر هذا التطبيق إلى الوصول إلى النقاوة الداخلية التي تجعل لله محلاً في ذواتنا.

على رجال الإكليروس أن يكونوا آباء حاضنين… وعلى المؤمنين أن كونوا أبناءً روحيين لا جبهة مضادة. الخصومة ممنوعة في الكنيسة. الهرطقة هي الشيء الوحيد الذي يوصل إلى القطيعة لأنه لا مساومة على استقامة الإيمان.

هلا طلبن مشورة الله أمام أية مواجهة بين… وبين…؟ هلا نراجع أنفسنا باستمرار لنعرف أين نُخطئ نحن أيضاً، ولا نضع كل الخطأ على الطرف الآخر؟ هذا ما ينشده المسيحي الحق.

المتروبوليت سابا اسبر

مناقشة

لا توجد تعليقات حتى الآن.

أضف تعليق

التصنيفات